تفسيرسورة الشعراء عدد آياتها 227 ( آية 1-25 )
" طسم "(1)
(طسم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
" تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ "(2)
هذه آيات القرآن الموضِّح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلال.
" لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ "(3)
لعلك - أيها الرسول - من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك ؛ لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك ، فلا تفعل ذلك.
" إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ "(4)
إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من الماء معجزة مخوِّفة لهم تلجئهم إلى الإيمان ، فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ، ولكننا لم نشأ ذلك; فإن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا.
" وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ "(5)
وما يجيء هؤلاء المشركين المكذبين مِن ذِكْرٍ من الرحمن مُحْدَث إنزاله ، شيئًا بعد شيء ، يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم بالدين الحق إلا أعرضوا عنه, ولم يقبلوه.
" فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ "(6)
فقد كذَّبوا بالقرآن واستهزؤوا به, فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه, وسيحلُّ بهم العذاب جزاء تمردهم على ربهم.
" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ "(7)
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ "(
" وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "(9)
أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات, لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين؟ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله, وما كان أكثر القوم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق, الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
" وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "(10)
" قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ "(11)
واذكر - أيها الرسول - لقومك إذ نادى ربك موسى: أن ائت القوم الظالمين, قوم فرعون , وقل لهم: ألا يخافون عقاب الله تعالى , ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال؟
" قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ "(12)
" وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ "(13)
" وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ "(14)
قال موسى: رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة, ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي , ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني. ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم, وهو القبطي, فأخاف أن يقتلوني به.
" قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ "(15)
" فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ "(16)
" أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ "(17)
قال الله لموسى: كلَّا لن يقتلوك, وقد أجبت طلبك في هارون, فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما , إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون. فأتِيَا فرعون فقولا له: إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين: أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا.
" قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ "(18)
" وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ "(19)
قال فرعون لموسى ممتنًا عليه: ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا , ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلًا من قومي حين ضربته ودفعته, وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي؟
" قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ "(20)
" فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ "(21)
" وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ "(22)
قال موسى مجيبًا لفرعون: فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي , ويبعثني رسولًا , فخرجت من بينكم فارًّا إلى "مدين" , لمَّا خفت أن تقتلوني بما فعلتُ من غير عَمْد , فوهب لي ربي تفضلًا منه النبوة والعلم, وجعلني من المرسلين. وتلك التربية في بيتك تَعُدُّها نعمة منك عليَّ , وقد جعلت بني إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم؟
" قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ "(23)
قال فرعون لموسى: وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله؟
" قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ "(24)
قال موسى: هو مالك ومدبر السموات والأرض وما بينهما , إن كنتم موقنين بذلك , فآمِنوا.
" قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ "(25)
قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه: ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي؟